عبدالباقي الرداف : المذكرة الوزارية الصادرة عن وزارة بنموسى محاولة ترقيعية تؤكد الارتباك في تدبير الملف
رأي
عبدالباقي الرداف : المذكرة الوزارية الصادرة عن وزارة بنموسى محاولة ترقيعية تؤكد الارتباك في تدبير الملف
ذ. عبد الباقي الرداف : الكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية لموظفي التعليم بإقليم الجديدة
إن مبادرة وزارة بنموسى الأخيرة لإنقاذ السنة الدراسية بإصدار مديرية البرامج والمناهج وبسرعة كبيرة برنامج هيكلة السنة الدراسية، في الوقت الذي كانت فيه لجنة الحوار تتدرع بصعوبة تقليص ساعات العمل والحاجة إلى وقت لدراسة المقترحة، وتكلفته التي ستضطر معها الوزارة إلى البحث عن 45 ألف أستاذ حسب ادعائها، مما يبرز مجهودات العاملين بالقطاع داخل الفصول ومعاناتهم مع الاكتظاظ.
فإن المذكرة المبشر بها من طرف الوزارة الوصية على القطاع وفي قراءة أولية سريعة بالنسبة لنا داخل الجامعة وباعتبارنا فاعلين في الحقل التعليمي، فإنها ليست سوى محاولة ترقيعية بامتياز تؤكد الارتباك في تدبير ملف السياسة التعليمية منذ تولي هذه الحكومة تسيير الشأن العام ، الشيء الذي عمق الهوة بين الشغيلة والإدارة وزاد من منسوب عدم ثقة الشغيلة التعليمية في هذه الحكومة ومبادراتها الإنفرادية التي لا تشرك الفاعلين الميدانيين العاملين بقطاع التعليم. ويأتي هذا الإجراء في سياق الاحتقان الذي شهدته الساحة التعليمية وهدر الزمن المدرسي الذي يبقى المسؤول الأول عنه هو حكومة أخنوش التي بشرت بإصلاح ما أفسده من سبقها من الحكومة، حسب زعمها، بالرغم من أن الحزب الأغلبي فيها كان مشاركا في حكومتي ما بعد الربيع العربي وما قبلها، وتنكر لكل الإصلاحات التي واكبت هذه المرحلة، بل بشر بإصلاحات غير مسبوقة ومنها الزيادة في أجور الموظفين ب 2500 درهم وإدماج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في سلك الوظيفة العمومية، وتحسين ظروف العمل وغيرها من الإجراءات التي تضمنها البرنامج الحكومي الذي لم نر منه أي إجراء طيلة هذا المسار.
وبعد سنتين من السلم الاجتماعي ونحن كجامعة وطنية ونقابة مسؤولة نبهنا الحكومات المتعاقبة وهاته، وما زلنا إلى الاختلالات التي عرفها القطاع منذ اتفاق ٱخر الليل سنة 2003، والذي أجهز على مكتسبات سابقه لسنة 1985 وكان التوقيع عليه سياسيا، ورصدنا فيه أكثر من 45 اختلال، وقدمنا ملفنا المطلبي ورؤيتنا لإصلاح السياسة التعليمية باعتباره القضية الأولى بعد قضيتنا الوطنية، وأكدنا أن المدخل الأساس لإصلاح المنظومة هو الاهتمام بنساء ورجال التعليم، وذلك بضمان حقوقهم وحفظ كرامتهم واعتبارهم مرتكز التغيير. إلا أن ما سمي بالنظام الأساسي الجديد الذي نعتبره في الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب نظاما مشؤوما أجهز بدوره على ما تبقى من المكتسبات وجاء بمواد تكرس نظام السخرة والعبودية في تجاوز كبير لما تضمنته إصلاحات وتعديلات ما بعد سنة 2003 وهو أساس الاحتقان. وكان من نتائجه توحيد الشغيلة التعليمية التي خاضت أطول إضراب بالقطاع منذ الاستقلال ونظمت أكبر المسيرات وتجاوزت النقابات الأكثر تمثيلية، وتوحدت معه العديد من التنسيقيات حيث أحس المنتمون لها بالذل والإهانة، من جانبها لم تبادر حكومة أخنوش لنزع فتيل الأزمة بل زادت منه بتعنتها وحرصها على حوار مع ما سمته بالنقابات الأكثر تمثيلية. وفي الوقت الذي اعتبرنا فيه الأزمة في قطاع حساس وهو التعليم قضية مجتمعية كان على الحكومة أن تبادر فيه إلى فتح ورش مجتمعي مع الفاعلين والشركاء لا سيما جمعيات الٱباء والأمهات وأولياء التلاميذ والمتضرر الأكبر أساتذة القطاع العاملين بالأقسام لمعالجتها وتجاوز اختلالاتها. إن الإجراء الأخير الذي بشرت به مديرية البرامج والمناهج هو ترقيع وبلغتنا الدارجة وأستسمح على العبارة ” وضع لعكر على لخنونة” الهدر المدرسي طال القطاع لمدة تجاوزت 3 أشهر تسبب في ضعف التحصيل الدراسي لدى ابنائنا وبناتنا ونحن نتحصر عليهم فهم أولادنا غير البيولوجيين ومعهم أولادنا البيولوجيين، كيف يمكن بإضافة ساعات وأيام استدراك ما فات. فالتلاميذ أضاعوا التعلمات الأساس على مستوى الابتدائي وبالأقسام الإشهادية ضاعت وحدات ومعارف وأسس رئيسية للتحصيل العلمي والمعرفي، وزادت الطين بلة وقد يؤثر على قيمة شهادة الباكلوريا.
فمعلوم عند الممارسين والخبراء أن حصص التمدرس يصعب تعويضها في غياب تطوع نساء ورجال التعليم، هنا نطرح السؤال .. لماذا الوزارة الوصية تركز على الجانب المقاولاتي في القطاع بتقديم تحفيزات مادية ملغومة سمتها بساعات الدعم المؤدى عنها، لو استفادت من الحراك والخطاب والشعارات التي رفعت لكانت مقاربتها مخالفة لعرضها البئيس الحالي. إن إعادة الكرامة وحسن التواصل والإصغاء للشغيلة هو المدخل لاستدراك ما يمكن استدراكه من الزمن المدرسي. إن الشغيلة التعليمية لم تخرج من أجل الزيادة في الأجور مطلبها الأساس الكرامة والتعامل الإنساني وتوفير شروط العمل الشريف والضامن للحقوق، وتوفير بنية تحتية، والضرب بيد من حديد على المختلسين للمال العام داخل بعض الأكاديميات والمديريات وربط المسؤولية بالمحاسبة بالنسبة لمهندسي المخطط الاستعجالي، وضمان الاستقرار النفسي والاجتماعي للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وللفئات المتضررة، وتنزيل اتفاق 26 أبريل والعمل بالعدالة الأجرية، وتوحيد المسار المهني، واعتماد نظام تحفيزي وغيرها من الإجراءات التي تضمنها ملفنا المطلبي الذي قدمناه للوزارة الوصية وناضلنا من أجله سنين. فإذا استجابت الوزارة الوصية والحكومة للمطالب العادلة والمشروعة للشغيلة سترى عجبا، وسيعود نساء ورجال التعليم لتقديم رسالتهم التربوية بكل أريحية وعفوية وتفان وتطوع كما كان في السابق، فقد أبدعوا في وقت الأزمات وقدموا دروسا للعالم ففي جائحة كورونا قدم نساء ورجال التعليم وبكل طواعية وطوعية دروسا وعن بعد وبإمكانياتهم الخاصة فاستدركوا ما فات وأنقذوا الموسم الدراسي، الذي نخافه اليوم كجامعة أن لا ينخرط نساء ورجال التعليم في هذه الخطوات التي اعتمدتها الوزارة والتي نعرف أنها غير كافية، وأن العديد من الٱباء والأمهات وأولياء التلاميذ بحثوا لأبنائهم عن الساعات الإضافية التي نشط سوقها أثناء هذا الحراك، بقي معه أبناء الفقراء لا بواكي لهم ولا يوجد من سيدافع عنهم أو يضمن حقوقهم إلا فضاء المؤسسة العمومية. ما زال الاحتقان بسبب تعنت الوزارة وعدم استجابتها للمطالب العادلة والمشروعة للشغيلة، ونحن نعيش حالة إضراب جديدة ومستمرة ومتجددة في بداية السنة الجديدة، ولا يعرف أحد بل لا يتحكم شخص في هذا المسار ونخشى حقيقة من سنة بيضاء. الحكومة مطالبة بتوفير جو سليم لإعادة الاعتبار لنساء ورجال التعليم وللقطاع بإرادة سياسية حقيقة وتجاوز لسياسة الترقيع والتسويف. فالوزارة ومعها الوصي عليها والذي سقط في أول اختبار له بالرغم من أنه مهندس النموذج التنموي يعلمون علم اليقين أن الأستاذ والأستاذة لا سيما العاملين بالابتدائي يقومون بمهام جسام منها الصباغة البستنة وحفر الآبار والبحث عن شركاء لتأهيل الفرعيات والمؤسسات التي يعملون بها، ويحرسون التلاميذ ويدرسون الأقسام المشتركة ويعملون في ظروف سيئة وفي الجبال وفرعيات لا تتوفر أدنى شروط العيش الكريم، ويصبرون على كل هذا، ومن الأساتذة من يعملون بالإعدادي والثانوي خارج حصصهم القانونية بطواعية وتفان ويقدمون دروس الدعم بكل حب وعزيمة من أجل النهوض بالمستوى المعرفي والتربوي للتلاميذ، وتحقيق نتائج مشرفة ليلتحق المتفوقون من أبنائنا بالمدارس العليا وخارج المغرب ويهدفون إلى أن تبقى للباكلوريا وكل الأقسام الإشهادية قيمتها ومكانتها.
نحن في الجامعة نعتبر أن نساء ورجال التعليم هم الموكول لهم القيام بإنقاذ الموسم الدراسي إذا أعيدت لهم كرامتهم واستجيب لمطالبهم، والأمر غير مرتبط بإجراء قانوني ترقيعي، وعلى الوزارة ترك المجال للعاملين بالقطاع كي يبدعوا في مجال الدعم بما راكموا من خبرات لا سيما تجربة دروس الدعم عن بعد، والابتعاد عن الاستعانة بجمعيات لا علاقة لها بالمجال التربوي، إن المدخل لإنزال أي إصلاح هو إعادة الثقة لنساء ورجال التعليم.